الحوثي وفلسطين .. فرقعة دعائية واستغلال للدم
في مقابل حرب الكلمات المتأخرة التي دشنها نصر الله، كان زعيم المليشيات الحوثية، قد استبق أدوات إيران في لبنان، بالإعلان بالمعركة الكلامية، وصولا إلى الفرقعات الإعلامية بشن هجمات بعشرات الصواريخ والطائرات المسيرة على العمق الإسرائيلي.
وبعد اعلانها أنها ستتدخل في حال انخرطت أمريكا بشكل رسمي، عادت المليشيات الحوثية لتنبي هجمات كانت الولايات المتحدة والجيش الإسرائيلي قد أعلنا في وقت سابق إسقاطها قبل وصولها إلى أهدافها.
ويحاول الحوثي تسجيل نقاط معنوية في أوساط قواعده الشعبية وكذلك في العالم الإسرائيلي واستغلال السخط من العدوان الصهيوني، لكن كثيرون يجهلون الانتهازية التي يجيدها الحوثي في هكذا مناسبات.
وقال مراقبون، أنه بدلا من البحث عن أهداف تبعد أكثر من 2000 كم، كان الأولى بالمليشيات الحوثية، أنه تشن هجمات على البوارج الإسرائيلية المتواجدة قبالة شواطئ الحديدة، وخصوصا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أعلن، الأربعاء الماضي، وصول سفن حربية تابعة له إلى منطقة البحر الأحمر، في إطار تعزيز الجهود الدفاعية في المنطقة في أعقاب اعتراض قال إنه تهديد جوي في منطقة البحر الأحمر جنوبي مدينة إيلات، الثلاثاء الماضي.
وقال الإعلامي عادل اليافعي، "المسافة من صنعاء إلى ميناء الضبة الحضرمي 900 كيلو متر فضربها الحوثي وأوقف تصدير النفط وهدد السفن القادمة التي تبعد 1000 كيلو من الاقتراب من الميناء وأضر باقتصاد البلد وزاد الطين بلة وزاد فقر ووجع الناس بحجة أن النفط يذهب لإسرائيل".
وأضاف "هذه السفن الإسرائيلية والأمريكية بجانبه في الحديدة تبعد 50 كيلومتراً يراها بالعين المجردة ولم يضربها ولا اذاها حتى بحجر تعرفون لماذا؟ لأنها تحمي سفن تهريب السلاح والصواريخ الايرانية إليه منذ عشر سنوات".
الصحافي السياسي صلاح بن لغبر بدوره أشار إلى توقف تصدير النفط في اليمن منذ عام بسبب هجوم الميليشيات الحوثية بالصواريخ والمسيرات على سفن وبوارج نقل النفط في كل الموانئ، وقال "كانوا يهددون باستهداف أي ناقلة نفط تتقدم، محاولين إحداث مجاعة".
واستدرك "لكن هذه سفن إسرائيلية متوقفة وموجودة قبالة السواحل اليمنية وقريبة جدا من الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون. لماذا لا يستهدفها الحوثي، بدلا من مسرحيات إطلاق الألعاب النارية إلى صحراء الأردن؟"، لافتاً إلى أن موقع البوارج نشرها الجيش الإسرائيلي بنفسه قبل أيام لانه أنه على ثقة تامة بأصدقائه الحوثيين، حسب قوله.
أما الناشط السياسي الأسلمي شمر فاعتبر ما يحدث شغلا مخابراتيا، موضحاً أن السفن الحربية على مرمى حجر من الحوثيين ومع ذلك يرسلون الصواريخ الكرتونية إلى صحارى مصر وريف الاردن، والقطيع يصفق.
وأضاف "إن ما يحدث هو لعبة استخباراتية لمحاولة تلميع وجه الحوثي القبيح ويده الملطخة بدماء الأبرياء لإظهاره بطلا قوميا".
دعاية أم إسقاط واجب؟
في حديث مع وكالة سبوتنيك الروسية الثلاثاء، ذكر المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، ماك شرقاوي، أن واشنطن لن ترد على هجمات المليشيا الحوثية على إسرائيل، وأشار إلى أنه "لو كانت هناك حاجة ملحة فإن الأمر لن يتعدى عمليات سطحية جدا كما حدث مع "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الإيراني في سوريا".
وقال إن "هناك صفقات مواءمات سياسية تجري بين واشنطن وعدد من العواصم في المنطقة وتتداخل فيها العديد من الملفات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يبدو ظاهرا في عدم التحرك الجدي ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية وفقا لتصريحات القوى والفصائل المسلحة في بداية الحرب".
وتابع شرقاوي: "لو عدنا للتصريحات التي أطلقت في بداية الحرب من إيران على سبيل المثال بعدم التهاون في الأمر وأنها سوف تشارك في الحرب إذا ما دخلت أمريكا، وقامت إسرائيل بالعملية البرية، وبعد تلك الأيام القاسية نجد أن إسرائيل توغلت داخل القطاع وارتكبت الجرائم التي يندى لها الجبين ومع ذلك ليس هناك أكثر من التصريحات حول مواعيد وتوقيتات الرد".
وأضاف شرقاوي: "لا أتوقع أن يكون هناك أكثر من المناوشات بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل التي اعتدنا عليها منذ سنوات والتي تهدف إلى التسويق الداخلي للحزب أولا في الداخل، وأنه حصن الأمان ضد إسرائيل"، لافتاً إلى أن واشنطن لن تقصف في اليمن قصفا موجعا، لأنه "كان بوسعها فعل ذلك منذ 8 سنوات ولديها أكثر من 2000 جندي داخل اليمن، ونفذت العديد من العمليات ضد تنظيم "القاعدة" الإرهابي، لأنها تريد الإبقاء على الحوثيين كفزاعة في المنطقة للضغط بها على الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات".
ويتضح من خلال حديث شرقاوي ومن خلال الوقائع على الأرض وتصريحات قيادات الحوثيين، كيف يمكن أن تحاكي مليشيا الحوثي حزب الله اللبناني في استخدام القضية الفلسطينية للترويج لنفسها داخلياً وإحكام قبضتها على المناطق التي تسيطر عليها، والمزايدة باسم القضية الفلسطينية، بالرغم من أن الموقف اليمني عموماً، حكومة وشعباً لم يكن إلا داعماً لفلسطين وضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه بحق الفلسطينيين.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت الثلاثاء، أن نظام الدفاع الجوي للجيش الإسرائيلي اعترض صاروخا أرض-أرض تم إطلاقه باتجاه إسرائيل "من منطقة البحر الأحمر". وقالت إنه اعترض أيضا "تهديدات جوية" أخرى في المنطقة، ولم يدخل أي منها الأراضي الإسرائيلية.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أنه بينما لم يذكر الجيش الإسرائيلي من يقف وراء الهجمات، قال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية، تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الجيش الإسرائيلي اعترض صواريخ أُطلقت من اليمن ويبلغ مداها حوالي 1200 ميل.
ونقلت الصحيفة عن محللين يمنيين قولهم إن الهجوم، على الرغم من إحباطه، فقد أظهر القدرات المتزايدة للحوثيين، واصفة التدخل العسكري للتحالف العربي للقضاء على الحوثيين وإعادة الحكومة الشرعية، ب"المحاولة الفاشلة" لدحر المليشيا الحوثية. وأوردت تصريحاً لأحمد ناجي، أحد كبار المحللين اليمنيين في مجموعة الأزمات الدولية قال فيه "إن دخول الحوثيين إلى ساحة المعركة، حتى ولو بطريقة رمزية، يبعث برسالة واضحة إلى إسرائيل- وهي إشارة لا لبس فيها إلى ظهور قوة جديدة ضدها في المنطقة". كما تحدث في السياق فارع المسلمي، وهو زميل باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، إنه في عام 2015، عندما بدأ التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن، لم يكن لدى الحوثيين حتى القدرة على تنفيذ ضربات بطائرات بدون طيار. لكن في السنوات التي تلت ذلك، قاموا ببناء قدراتهم بدعم إيراني.
وأخيرا فإن كل هذه المعطيات والأحداث سيكون لها تداعيات مختلفة ومتعددة المسارات على الحرب اليمنية العربية ضد مليشيا الحوثي التي استحوذت على الحكم في معظم شمال اليمن بدعم إيراني وتواطؤ غربي، ومن غير المستبعد أن تصبح القضية الفلسطينية ركيزة محورية في يد المليشيا لكسب تأييد الشعب اليمني لحكمها سواء بالابتزاز أو بالقوة.