إيجاز.. خاص
لم تكتف أدوات إيران في المنطقة بالتزام الصمت أمام المجازر الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة على مدار شهر كامل، بل واصلت استغلال الجراح الدامي بإطلاق فرقعات في الهواء، لم تحقق أي فائدة تذكر سوى أنها جعلت الكيان الصهيوني يوغل في جرائمه الوحشية.
وبعد عقود من استغلال القضية الفلسطينية لتسويق مشاريعها الطائفية والتدميرية، توارت أدوات إيران في لبنان واليمن عن الأنظار منذ عملية طوفان الأقصى، وحين ظهرت تحت ضغوط قواعدها لإسقاط الواجب فقط، لم يكن في جعبتها ما تقوله سوى الثرثرة وإطلاق فرقعات دعائية لا تشكل أي تهديد حقيقي للكيان الصهيوني.
حسن نصر. ظهور صادم
بعد مرور 27 من عملية طوفان الأقصى، جاء الظهور العلني للأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، صادما ومحبطا للفلسطينيين وكذلك للقواعد الشعبية الموالية لمحور إيران، التي كانت تتوقع منه موقفا مشرفا وأكثر حزما تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
على مدار ساعة ونصف، ظل نصر الله يثرثر ويشرح تفاصيل بديهية لا يجهلها أي مراقب للأحداث، ويفسر الماء بالماء وفقا لمراقبون.
وبعد حملة دعائية كبيرة للخطاب جعلت الجميع يترقب انخراط رسمي من حزب الله لنصرة غزة وخصوصا أنه الجار الذي بإمكانه أن يشكل تهديدا حقيقا على تل آبيب، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة تنفسا الصعداء بعد كلمة نصر الله الجوفاء، حسب ناشطون.
الصحافة الدولية أشارت هي الأخرى إلى الظهور الصادم لنصر الله، وقالت مجلة نيوزويك الأميركية أن زعيم حزب الله اللبناني خيّب آمال الفلسطينيين وأنصارهم حيث أدلى بتصريحاته العلنية الأولى التي طال انتظارها بعد أن ظل طوال التوترات المتصاعدة غائبا بشكل واضح عن أعين الجمهور.
وقالت الصحيفة، إنه عندما أعلن الأسبوع الماضي عن أن نصر الله سيخاطب الجمهور أخيرا، توقع كثيرون أن يعلن عن إجراءات إضافية أو تصعيدا كبيرا، لكن وبدلا من ذلك، اكتفى بوصف "مشاركة" حزب الله الحالية في الصراع، قائلا إن جماعته انضمت إلى الحرب في 8 أكتوبر، وكرر التحذيرات التي وجهها أعضاء في حزبه من المستوى الثاني للولايات المتحدة وإسرائيل، كما دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة، وكرر دعم حزب الله لحماس والشعب الفلسطيني.
وأضافت: إن اللبنانيين والفلسطينيين وكثيرين غيرهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط كانوا ينتظرون بفارغ الصبر الخطاب، حيث تكهن البعض بأن نصر الله سيعلن أن حزب الله والجماعات الأخرى المدعومة من إيران ستعلن حربا شاملة على إسرائيل. وبدلا من ذلك، أشار زعيم حزب الله إلى أن المستوى الحالي من المشاركة سيستمر ما لم تتخذ إسرائيل خطوات للتصعيد.
خذلان للمضللين
قوبلت الكلمة بانتقادات واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وقال مراقبون عرب، إن نصر الله، ليس وحده من خذل المضللين الذين توقعوا أن تلد الغولة حملاً، فهناك من المغردين والمؤثرين والسياسيين من جعجع له أكثر مما فعل، ومن أوهم الناس ودافع عنه وعما ارتكبه بحق سوريا ولبنان، بحجة فلسطين وغزة.
ووفقا لخبراء، فقد حمل خطاب أمين عام حزب الله، رسالتين لايخطئهما المراقب؛ الأولى صادمة لمقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني عامة، والثانية مطمئنة للكيان الصهيوني وللمجرم نتنياهو وحكومته التي أكملت تطويق غزة.
ولم يكن ينتظر مقاتلو حماس سماع كلام من حسن نصر الله يعلمه العالم أجمع من قبيل أن الكيان الصهيوني يرتكب جرائم وأن غزة محاصرة، ولم ينتظروا منه الحديث عن المناوشات في الأراضي اللبنانية المحتلة؛ مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ولذا شكل خطابه الذي لم يعلن فيه فتح جبهة شمال إسرائيل صدمة قاسية يمكن تلمسها من صفحات أبناء الشعب الفلسطيني في وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الجانب المقابل بات نتنياهو وحكومته بل والرئيس الأمريكي بايدن على يقين تام بأن الذراع الإيرانية في لبنان أعجز من أن تهاجم خيوط العنكبوت التي قال إن إسرائيل اوهن منها.
وتبنى نصر الله المناوشات الهزيلة في حدود الأراضي اللبنانية المحتلة، فيما جبن عن تبني القصف الصاروخي والمدفعي الذي تمدد بضعة كيلو مترات، وترك فصائل المقاومة الفلسطينية هي من تتحمل مسؤوليتها.
في اليوم الثاني من طوفان الأقصى أعلن حزب الله اللبناني أنه سوف يشارك إذا تدخلت امريكا، غير أن أمريكا تدخلت على أعلى مستوى حيث حركت حاملتي طائرات وجسرا جويا لمد جيش الاحتلال الإسرائيلي بالذخائر ووصول سرب طائرات وفريقا عسكريا متخصصا في تخليص الرهائن بل وطار الرئيس الأمريكي إلى تل أبيب، ولم يحصل في الحدود اللبنانية مع الكيان الصهيوني سوى المناوشات المعتادة رغم تجاوز عدد القتلى في صفوف مقاتلي حزب الله 35 وأضعافهم جرحى.
وأشار مراقبون، إلى أن الأمين العام لحزب الله، فسر الماء بالماء، عندما تحدث عن مظالم الشعب الفلسطيني التي نعرفها جيداً، وعن صموده الذي نقدره ونعتز به أيضاً جيداً ،و تباكى على ضحايا غزة وتاجر باطفالها، الذين تحولت سقوف منازلهم إلى مقابر، والأنقاض إلى نعوش تأوي أجسادهم الغضة، تكلم عن الأمريكان وتاريخ تدخلاتهم وهذا خبرناه مطولاً، وعن بيت عنكبوت الإسرائيلي وصمت الحكام العرب.
وأكد المراقبون، أن نصر الله، لم يقل شيئاً، ولم يتحدث عن كسره لتفاهمات تموز حول قواعد الإشتباك و لم يهدد بتخطي الكيلومترات الخمسة المسموح بها كمسرح عمليات، فيما جدد ربط تحريك جبهته الجنوبية بشرطين: هزيمة غزة كلياً، أو عدوان واسع النطاق على لبنان من قبل إسرائيل .
إشادة إسرائيلية
قويل خطاب نصر الله بانتقادات لاذعة في الأوساط العربية، لكن الاكثر سخرية كان تعليق الناشط الاسرائيلي ايدي كوهين الذي أشاد بالخطاب ووصفه بالعقلاني.
وكتب كوهين على منصة إكس" سماحة السيد حسن نصر الله شكرا لك على خطابك العقلاني تجاه دولتنا ونثني على كلامك وسحب عبارة انكم ستتدخلون اذا حدث التدخل البري".
واضاف "نحن في تل ابيب نتفهم حاجتكم لبعض عبارات الحماسة والتهديد والوعيد فهي ضرورية لقطيع الأغنام والبقر الذي ترعونه".
.................................
الحوثي.. فرقعة دعائية
في مقابل حرب الكلمات المتأخرة التي دشنها نصر الله، كان زعيم المليشيات الحوثية، قد استبق أدوات إيران في لبنان، بالإعلان بالمعركة الكلامية، وصولا إلى الفرقعات الإعلامية بشن هجمات بعشرات الصواريخ والطائرات المسيرة على العمق الإسرائيلي.
وبعد اعلانها أنها ستتدخل في حال انخرطت أمريكا بشكل رسمي، عادت المليشيات الحوثية لتنبي هجمات كانت الولايات المتحدة والجيش الإسرائيلي قد أعلنا في وقت سابق إسقاطها قبل وصولها إلى أهدافها.
ويحاول الحوثي تسجيل نقاط معنوية في أوساط قواعده الشعبية وكذلك في العالم الإسرائيلي واستغلال السخط من العدوان الصهيوني، لكن كثيرون يجهلون الانتهازية التي يجيدها الحوثي في هكذا مناسبات.
وقال مراقبون، أنه بدلا من البحث عن أهداف تبعد أكثر من 2000 كم، كان الأولى بالمليشيات الحوثية، أنه تشن هجمات على البوارج الإسرائيلية المتواجدة قبالة شواطئ الحديدة، وخصوصا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أعلن، الأربعاء الماضي، وصول سفن حربية تابعة له إلى منطقة البحر الأحمر، في إطار تعزيز الجهود الدفاعية في المنطقة في أعقاب اعتراض قال إنه تهديد جوي في منطقة البحر الأحمر جنوبي مدينة إيلات، الثلاثاء الماضي.
وقال الإعلامي عادل اليافعي، "المسافة من صنعاء إلى ميناء الضبة الحضرمي 900 كيلو متر فضربها الحوثي وأوقف تصدير النفط وهدد السفن القادمة التي تبعد 1000 كيلو من الاقتراب من الميناء وأضر باقتصاد البلد وزاد الطين بلة وزاد فقر ووجع الناس بحجة أن النفط يذهب لإسرائيل".
وأضاف "هذه السفن الإسرائيلية والأمريكية بجانبه في الحديدة تبعد 50 كيلومتراً يراها بالعين المجردة ولم يضربها ولا اذاها حتى بحجر تعرفون لماذا؟ لأنها تحمي سفن تهريب السلاح والصواريخ الايرانية إليه منذ عشر سنوات".
الصحافي السياسي صلاح بن لغبر بدوره أشار إلى توقف تصدير النفط في اليمن منذ عام بسبب هجوم الميليشيات الحوثية بالصواريخ والمسيرات على سفن وبوارج نقل النفط في كل الموانئ، وقال "كانوا يهددون باستهداف أي ناقلة نفط تتقدم، محاولين إحداث مجاعة".