تخوض المليشيات الحوثية حربا شعواء ضد التعليم منذ العام 2017، وبعد أن تفرغت من العبث بمحتوى عدد من مناهج الصفوف الأساسية بما يساعدها على تكريس مشروعها الطائفي، امتدت أياديها الآثمة إلى ثوابت مقدسة في التاريخ اليمني المعاصر.
على مدار الأعوام الفائتة، اجرت المليشيات سلسلة من التعديلات في المنهج الدراسي الخاص بطلاب المدارس الابتدائية والإعدادية في مناطق سيطرتها، وعندما شاهدت غياب أي ردة فعل شعبية، او استنكار دولي لما يجري للتعليم، تجرأت وبدأت بتحريف أهداف ثورة السادس والعشرون من سبتمبر المجيدة.
وظلت المليشيات تهاجم الثورة الخالدة بشكل ضمني ومباشر وتسخر من أهدافها زاعمة ان انقلابها المشؤوم جاء لتصحيح الثورة الأم، حتى أفصحت عن مشروعها الحقيقي والعنصري الذي تحمله بعد تحريفها لأهداف الثورة.
وقامت وزارة التربية الخاضعة للانقلابيين بصنعاء، بحذف كلمة " ومخلفاتهما" من مقدمة الهدف الأول للثورة، فيما شطبت باقي الهدف المتمثل بـ" إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات”، وهذا مفهوم كذلك، على اعتبار عدم جواز المساواة بين “أعلام أهل البيت” وعامة الشعب اليمني في الامتيازات.
تحريف الأهداف لم يتوقف عند ذلك، حيث لجأت المليشيات لشطب كلمة "تعاوني" التي تتبع عبارة إنشاء مجتمع ديمقراطي في الهدف الرابع، إضافة إلى كلمة "الحنيف" .
ومع انطلاق حملة استنكار شعبية للجريمة التي اقترفها الانقلابيون في أهداف الثورة الخالدة، حاول القيادي الحوثي، محمد علي الحوثي، أن يداري خبث مليشياته، زاعما أن ما حصل كان سهوا وعملا غير مقصودا.
بالنسبة لجماعة تحاول دائما دس سموم الطائفية في عسل الوطنية، فإن انكشاف مشروعها العنصري بهذا الشكل السافر، يجعلها في مأزق أخلاقي، ولذلك كان من الطبيعي أن يسارع قادة الصف الأول لإثبات براءتهم من الملكية والنظام الإمامي البائد، لكن الآوان كان قد فات، وفقا لمراقبون.
وقال تربويون لـ"إيجاز"، إن التوجيهات لمعلمي التربية الوطنية بكتابة أهداف الثورة الغير محرفة على سبورة الفصل بشكل يومي، أمر مثير للسخرية، وغير قادر على رتق الفضيحة المجلجلة بحق التعليم والثوابت الوطنية.
وأشاروا إلى أن هناك سعارا حوثيا ضد التعليم والمنهج المدرسي، وخصوصا ما يتعلق بطلاب الصف الخامس والسادس والسابع والثامن الأساسي، والسبب في ذلك يعود إلى خطورة المرحلة العمرية التي يعيشها الطلاب في تلك الصفوف، وتجعل عقولهم قابلة للتشكل والتأطير.
استنفار غير مسبوق
كان من الواضح أن المليشيات الحوثية قد وضعت خططا مبكرة لتوجهها الجديد المتمثل في تطييف التعليم خلال العام الجاري، وذلك بتنظيم ما أسمته المؤتمر الأول لتطوير المناهج وتنويع مسارات التعليم، اواخر نوفمبر الماضي.
في ذلك المؤتمر، كشف القيادي في المليشيا، مهدي المشاط، عن أهدافهم القادمة، وقال إن ما أسماهم بـ"الأعداء"، يركزون على استهداف الجيل الناشئ والشباب كونهم حاضر الأمة ومستقبلها ودعامة قوتها، بل زعم أن الحرب تحرص على تغيير المناهج بما يتوافق مع المزاج الأمريكي والصهيوني وحذف آيات الجهاد، وحرف بوصلة العداء، وتقديم الأعداء على أنهم أصدقاء، وزرعها بالمفاهيم المغلوطة.
رئيس حكومة الانقلاب الغير معترف بها دوليا، عبدالعزيز بن حبتور، كشف خلال تدشين العام الدراسي منتصف يوليو الماضي، عن توجيهات من زعيم المليشيا، عبدالملك الحوثي، يقضي بتركيز النشاط الحكومي القادم على مواضيع التربية والتعليم والقضايا الاجتماعية باعتبارها من المهام الملحة والهامة، وقال" من أكثر المجالات الرئيسية التي سنقدم عليها خلال الشهور والأعوام القادمة وسنوليها عناية خاصة هي التربية و التعليم باعتبارها من المجالات التي يمكن من خلالها انجاز المهام الاستراتيجية للوطن والثورة و الجمهورية و باعتبارها التحدي الأكبر الذي سيواجه به اعداء هذا الوطن"، حسب تعبيره.
بالنسبة لبن حبتور، فإن التحريف الحاصل في المنهج المدرسي هدفه حماية الطلاب مما وصفها بـ" الحرب الناعمة" التي يسوقها الأعداء مقترنة بمجموعة من الأفكار الشيطانية الخطيرة التي تعمل على دك أركان المجتمع وثقافته وقيمه ومرجعياته الاستراتيجية المنسجمة مع الفطرة السليمة للإنسان، لكن الانتهاك الذي تعرضت له أهداف الثورة يكشف جليا حقيقة الجهة التي تحمل الأفكار الشيطانية.
إجمالي الكتب المحرفة
وفقا للسلطات الانقلابية في صنعاء، فإن إجمالي الكتب المدرسية الجديدة التي تمت طباعتها هذا العام، بلغت 23 مليون و513 ألفا و 707 كتب، وذلك بتمويل من صندوق دعم المعلم.
ولم تقم المليشيات الحوثية بعد بتوزيع كامل الكميات المطبوعة إلى مكاتب التربية، ووفقا لمصادر تربوية، فمن المتوقع اكتشاف تعديلات فادحة هذا العام نظرا للاستنفار الحاصل من قبل قادة المليشيات في هذا المجال.
توقعت مصادر تربوية، أن يشهد العام الدراسي الجاري، تعديلات تساوي في عددها وحجمها ما جرى من تعديلات خلال السنوات الماضية منذ انقلاب الميليشيات وسيطرتها على مؤسسات الدولة، التي تضمنت تحويل المناهج إلى مقررات طائفية لخدمة مشروع الميليشيات.
وأكدت المصادر أن قيادة الميليشيات تعمل على ابتكار طرق ووسائل جديدة لمواجهة تحايل المدارس والمدرسين على تعديلاتها للمناهج، ومن ذلك إضفاء الطائفية على كل الدروس والمقررات، بما يصعِّب على المدرسين تجاوزها أو تجاهلها.
وكانت الميليشيات أقرت مطلع العام الدراسي الحالي مركزية الامتحانات السنوية النصفية والختامية، وذلك بعد اكتشافها أن المدرسين يتجاهلون تقديم الدروس التي تتضمن تحريفاً طائفياً، ولجأت إلى وضعهم والطلاب أمام الأمر الواقع.
وكان المركز اليمني للسياسات، قد حذر في دراسة بحثية، مطلع العام الجاري، من أن التعديلات التي تجريها الميليشيات الحوثية على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتها تسهم في تطبيع العنف والصراع لدى الطلاب، حيث أخضعت الميليشيات الكتب المدرسية لتغييرات إيديولوجية وسياسية، تروِّج للنزاعات الصفرية التي يقف فيها طرفان؛ يمثل أحدهما الحق المطلق، والآخر الباطل المطلق.
وأكدت الدراسة التي حللت 57 كتاباً مدرسياً في مناطق سيطرة الميليشيات من الصف الأول إلى التاسع للفئة العمرية من (7 - 16 عاماً) أن الكتب المدرسية في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية أصبحت ترسخ لما تسميه الميليشيات «الهوية الدينية»، ومحاربة الإمبريالية الغربية وعملائها الإقليميين والمحليين، وحظر الاختلاط بين الجنسين، واستبدال بالأغاني والأناشيد شعارات الميليشيات وأناشيدها.
وأشارت الدراسة إلى أن التعديلات الطائفية التي شملت الدراسات القرآنية، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية، والدراسات الاجتماعية (الجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنية)، تميل بشكل كثيف إلى شيطنة المجتمع الدولي والدول الغربية ودول التحالف وتتجه إلى تخليد الميليشيات الحوثية لتثبيت شرعيتها، وتوجيه مسار التنشئة الاجتماعية السياسية وزرع الطاعة لقادتها.