أمير كل شيء
لا بأس، سأهوّن الأمر وهو هين، فوفرة الضجر تدفع المرء إلى إعتقاد أحلامه صحيحة، في المثيلات يظهر مسؤول سعودي سابق على قناة BBC البريطانية بحديث غريب يدّعي محاولة الأمير محمد بن سلمان اغتيال عمّه الملك عبدالله بخاتم مسموم، ونسي المسؤول المارق أمرين، الأول: أن الأمير سيتعرض للسم حال لبسه للخاتم المزعوم، وتلك إذًا محاولة لقتل لنفسه، لا قتل الملك!والثاني: كيف نجا بفعلته دون مساءلة بعد اكتشاف نواياه؟
سأله المذيع البريطاني عن ذلك، فتلعثم، لم يُجب، قال عن خوفه كثيرًا، كرّر العبارات المعادية لوطنه دونما مُبرر، فكمّ هائل من البشر يتطلعون الحصول على جنسية سعودية، مجرد الشعور أنك في عين الله أولًا، ثم في رعاية خادم الحرمين وولي عهده بهوية ضخمة المساحة والقوة والمنعة، أمر يدعو للإطمئنان والبذل والأمل.
وكأنها حملة ممنهجة، يروق لي فيها بأس المغرد السعودي عمومًا، وقيمته الفاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ذلك تصديهم لحكاية غبية ومملة أخرى، تدّعي أن الأمير محمد زوّر توقيع والده الملك وتحركت بذلك الأمر قوات برية سعودية إلى اليمن!
خبر كهذا يمر من أروقة وكالتين عريقتين يثبت حالة إفلاس مادي مروع، منحهم خطة إتكاء مراوغ على سمعتهما القديمة المهيبة لبيع القصة الخبرية، أصبحوا أقلامًا مبذولة للإيجار، هذا ما يبدو جليًا للقارئ منذ الوهلة الأولى.
أنا حزين لهذه الهزيمة القاسية للصحافة مقابل طغيان وسائل التواصل الاجتماعي، ونجاعتها في ردع الكذب غير المحبوك، فعندما تسرب الخبر من وكالة بلومبيورغ كان القراء مستعدون لنسف الرواية البليدة، وإحراج كل صحافيي العالم.
من عُمق التراشق القصصي، يبرز "محمد بن سلمان" أميرًا مميزًا استطاع تحقيق أجمل الروايات الخيالية على أرض بلده دون أن يضطر إلى أفعال قاسية، فما يبدو حقًا أن الشعب السعودي كافة كان مهيئًا لإنتظار ظهور هذا الرجل.
استجابوا جميعًا، بعض الإصلاحات القيادية، قرارات بدمج هيئات ومؤسسات متشابهة، إطلاق العناية الخاصة بالسعوديين في برنامج يُدعى: جودة الحياة.
انفجر شباب هذا الوطن في مغامرة مع أميرهم، لقد علمّهم كل شيء، وأسعدهم أنه قويّ كفاية ليحقق ما يأملونه، لهم ولمن يأتي بعدهم، ارتفعت أسهم السعودية عالميًا، رياضيًا وسياسيًا، عسكريًا وتقنيًا، توسعت الطرقات والأحياء، تمددت المدن وتحققت الابتكارات، ولهذا السبب بدأت الفقاعات القصصية في الظهور، وكما هو معلوم عن السعوديين كانوا بإنتظار كل فقاعة، ليفجرونها تفجيرا، وهم يضحكون ويلعبون ويمرحون ويعملون الواجب على مختلف الأصعدة.
المتضررون من الحُلم السعودي شعروا أن "سندباد" طار ببساطه إلى الرياض، واستقر فيها، يسرح بين الفعاليات المذهلة، تغمره أضواء العاصمة المتلألئة، وناطحات السحاب الزجاجية، يدور حول المصانع الضخمة التي جعلت من السعودية أقوى اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وإحدى دول مجموعة الـعشرين العالمية، وقد حباها الله عزوجل بطبيعة غنية تُقدّر بأكثر من ٣٥ تريليون دولار.
في كل الإتجاهات، وأنت تمضي براحلتك وسط قارة كاملة اسمها السعودية، تشاهد أعين الناس مشدوهة نحو "الأمير"، قالوا أنه أمير كل شيء، أمير قُوّتهم، وقوتِهم، وأمير سعادتهم وأفراحهم، يطوف عليهم بالعناية المُجلّلة، ويمنح أقرانه من شباب المملكة أعمالًا تنافسية، وهو قريب منهم، لا يغلق دونهم بابه، ولا يعاملهم بتأفف الأمراء المغرورين، يحفزهم، يقويهم، ويشجعهم على إبراز أجمل ما فيهم، وتوظيف طاقاتهم لقوة المملكة وعظمتها المتصاعدة.
في أول أيام توليه السلطة، ثبّت الأمير محمد بن سلمان خارطة بلاده على مكتب ضخم من خشب السنديان، أخذ قلم شنايدر مقاس 0.6، وأشار إلى فرص المملكة المتاحة من الطاقة والتعدين والصناعات المتكررة، والسياحة، الترفيه، والمواقع الدينية المقدسة، والآثارية، كان مجلسه الجديد المُكوّن من خبرات إدارية وتنموية ودبلوماسية مشدوهون لقدرات هذا الشاب القادم من عائلة عظيمة، وكيف علّمهم اختصار الوقت والمعيارية في استخدام التخطيط الاستراتيجي، بما حدّ من البيروقراطيّة الإدارية، وجعل المملكة بضخامتها الجغرافية وتنوعها، وتباعدها في قبضة يده.
- لقد عشت وأطفالي مرحلة "محمد بن سلمان" بدايات صعوده، وتحولات الأرض والتنمية والأفكار، عشتها لحظة بلحظة، كُنتُ لاجئًا في أرضهم، غريبٌ يتلمس أولى خيوط الفجر، وانبلاج الصبح، حتى صعود الشمس الدافئة في رابعة النهار. كل الفصول مرت عليّ، رأيت الربيع مُزهرًا في أعين السعوديين والمقيمين والعابرين، تلطّف بنا الصيف في أوقات ساخنة لم تنتهِ بعد، وأخذنا الخريف إلى لُجّة المعنى والمعاني، وصار لنا الشتاء نديًا، ماطرًا، عذبًا، ورقيقًا كأكمام ورد البيلسان. في ذلك الشتاء قبل عام، أوقفني جندي مرور على قارعة طريق الملك فهد، وكُنتُ مخالفًا في وقوفي، زخات المطر تنقر بإيقاع أنيق زجاج السيارة، عاتبني الجندي بأدب، واعتذرت، سألني عن موطني، قلت: أنا من اليمن. ابتسم، وأرسل إلى مسامعي كلمات مُحبّة عن وطني الحزين، مؤكدًا أن هذه مشاعر كل السعوديين تجاه بلدي المحتل إيرانيًا
حين مضى، كانت صورة الأمير مجدولة مثل شلال يانع على برج المملكة، مبتسمًا نحويّ، وكأنه يكرر ويؤكد بأناقة، محبته لليمن، وكل العرب، وبأنه الإنسان الحقيقي الذي يسعى بدأب لجعل منطقة الشرق الأوسط تلك الجنة التي كانت.
إنه محمد بن سلمان، أمير كل شيء.