البخيتي: مهمة التشويش على الوعي الجمعي
يستثمر البخيتي سلاطة لسانه وخبرته في اللجاجة والجدل ليتقفز على الكتاب والمثقفين مدعيا أنه ملحد ويريد منهم الرد على إلحاده دون أي مستند معرفي.
طبعا هو لا يلتزم بالموضوعية ولا يتحدث عن بنية مفاهيمية علمية واضحة يمكن الامساك بها، ولا يخوض في حقل معرفي محدد، أو يلتزم بموضوع واحد، فقد تحاوره في موضوع ويتنقل بين عشرين موضوع في مداخلة واحدة، وهذا ما يجعله أمام العوام شطورا، كونه قادر على حشد العبارات القريبة من أذهان العوام، ويجعل خصمه مقهورا لأن أي باحث أو مثقف يحترم نفسه لا يمكنه أبدا أن يقبل التقفز في عدد من المواضيع في آن واحد لأن العقل العلمي يقتضي بحث الموضوع الواحد من كل جوانبه حتى يستوفى إلى النتائج.
مثلا: يدعي البخيتي أنه ملحد والإلحاد لدى الفلاسفة رؤية بحثية في فلسفة الوجود والعدم. وأنا اتسائل ما هي مؤلفات البخيتي التي طرح من خلالها رؤيته الإلحادية ودلل عليها انطلولوجيا وموروفولوجيا وفيزيقيا ومكنيكيا ومنطقيا حتى يذهب البعض لمناظرته.
المناظرة لا تنبع من فراغ ولا تكون في الهواء، بل لا بد من أرضية معرفية ينطلق منها المتناظران، أي أنه لا بد من وجود نظرية أو رؤية في الإلحاد مقدمة بشكل معرفي علمي ضمن نسق فلسفة الوجود والعدم، وبأدواتها البحثية المقننة. ثم يأتي من يفندها ويرد عليها علميا بنفس الأدوات البحثية في النسق الفلسفي لمباحث نظرية الوجود والعدم.
أما مناظرة دون وجود دليل نظري ومعرفي يستند إليه المتناظران فهي مجرد فهلوة واستعراض لعضلات اللسان، وهذه مسألة تتحكم فيها الدربة والمراس فقد تأتي بجاهل وتدربه على الخطابة والحفظ فيسلق لك أفضل خطبة يتأثر بها العوام بينما هو في حقيقته لا يملك من العلم وأدواته شيء.
العلم قانون معرفي صارم منهجه البحث، ودليله الكتاب النظري الذي يحوي رؤية الناقد أو الباحث وخلاصة ما يتوصل إليه من نتائج بحثية، وليس مجرد انطباعات وفهلوات وسلاطة لسان وقدرة على حشد الألفاظ وخبرة في الحبكة والتقفز لهزيمة الخصم، هذه كلها ليست دليل اثبات العلمية، وإنما هي حذلقة كلامية تتحكم فيها الدربة والمراس.
أخيرا أرجو ألا تهينوا العلم والعقل فتطلقوا مصطلح مناظرة على التهريج والفهلوة، ويمكنكم أن تسموا جدلكم مجابرة، أو نقاش، أو تقول، أو تدرب على الكلام أو تنمية كلامية تساوي خرافة التنمية البشرية. ممكن أن تضعوا مصطلح كيف تصبح ملحدا في دقيقتين! أو كيف تصبح مؤمنا في خمس دقائق!
أو كيف تصبح فيلسوفا بالفهلوة والسلاطة، بدون أي مجهود علمي! أو كيف تصبح مفكرا باستثمار المتابعين والعوام للتصفيق بدون جهد علمي وتأليف!
المهم لكم فرصتكم خذوها وخوضوا فيها، كما سبقكم أصحاب التنمية البشرية، ولكن لا تدنسوا بجهلكم قداسة العلم وطهارته.
وأرجوا من زملائي الباحثين ألا يستجيبوا لمثل هذه السفسطة التي تضع العلم بإزاء الجهل سيان، ومن كان يريد التباري فليثبت رؤيته أولا بطرائق العلم والبحث ويقدمها للقراء لنقدها ومن ثم تنعقد بينه وبين نقاده مناظرة علمية بقوانين الجدل المعرفي وليس الفهلوة والاستعراض.