حرب الحوثي على اللقاحات.. كلفة باهظة يدفع ثمنها أطفال اليمن
حرب الحوثي على اللقاحات.. كلفة باهظة يدفع ثمنها أطفال اليمن
في منطقة نائية من ريف الحديدة، تعيش أسرة الطفلة "أمة الرحمن" معاناة كبيرة مع طفلتهم التي أقعدها شلل الأطفال حالها كحال وطنها المُثخن بجراح الحرب وأثقال الأوبئة المتفشية والأزمة الإنسانية، والأسير لأطماع وتدخلات الفعالين الدوليين والإقليميين.
"أمة الرحمن.ع .م" المنحدرة من أرياف مديرية الجراحي، جنوب الحديدة (غرب اليمن)، تعيش منذ عدة سنوات أسيرة على فراشها، بعد أن غزى جسدها النحيل فيروس شلل الأطفال لتتجرع مع أسرتها معاناة المرض والمعيشة الصعبة وأهوال الفقر والبطالة وأوجاع الأمراض الفاشية التي تنهش في أجساد أشقائها وأقرانها في كل مناطق وأرياف المحافظة.
يقول شقيقها لـ "يمن شباب نت"، إن شقيقته ضحية غياب اللقاحات التي انقطعت حملاتها في منطقته النائية خلال سنوات الحرب، مضيفاً أن لاجهة رسمية أو إنسانية زاته كما لم تقدم لها وباقي أشقائها المصابين بعدة أمراض أي رعاية طبية.
لم تكن هذه الطفلة سوى واحدة من جيل كامل يتعرض لغزو أمراض قاتلة كانت ذات يوم من الماضي، غير أن حرب مليشيا الحوثي على اللقاحات وحملتها التحريضية ضدها أعادت البلاد عقوداً من الزمن إلى الوراء لتعاود تلك الأمراض إلى التقشي مجددا بصورة استدعت قلق العالم.
عودة مقلقة للأمراض
خلال السنوات الأخيرة شنت مليشيا الحوثي الإرهابية حملة شيطنة كبيرة ضد اللقاحات في أوساط المجتمعات في مناطق سيطرتها، مستخدمة كل وسائل الإعلام والتثقيف ومنابر الخطابة الخاضعة لها، صاحبها توقف كامل لأنشطة حملات التحصين الوطنية.
حملات الشيطنة الحوثية تلك لاقت استجابة مجتمعية في ظل سياسة التجهيل والترهيب التي تنتهجها المليشيا، لينتج عنها تفشٍ لأوبئة وأمراض كانت من الماضي في البلاد، وتظهر بؤر للأوبئة في مناطق تمثل معاقل للحوثيين كصعدة وحجة ومناطق أخرى خاضعة لسيطرتها، ومنها إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وإن كانت بصورة أقل، حيث تقلل حملات التحصين هناك أعداد الإصابات.
فبعد أكثر من 14عاماً من إعلان خلو اليمن من شلل الأطفال، عاود الفيروس التفشي في شمال البلاد، وظهرت أول حالة من محافظة صعدة ـ معقل الحوثيين الرئيسي، ليصل مع نهاية العام 2023م إلى 237 حالة وفقاً لمنظمة الصحة العالمية في أحدث بيان لها أواخر أبريل الماضي.
وعزت المنظمة عودة المرض إلى "انخفاض معدلات التحصين وتزايد تردد الآباء والأمهات في تلقيح أطفالهم من ضمن العوامل العديدة التي تساهم في تدهور هذا الوضع".
وقالت المنظمة الأممية "في سياقات النزاع والمجتمعات الضعيفة، مثل اليمن، يمكن أن يكون الأطفال أكثر عرضة للخطر بشكل خاص"، وبإصابة طفل واحد بشلل الأطفال، يصبح جميع الأطفال غير المطعمين عرضة للإصابة بالمرض.
وذكر تقرير المنظمة الدولية أن طفلا من كل أربعة أطفال في اليمن لا يمكنه الحصول على جميع اللقاحات الموصى بها في جدول التحصين الوطني الروتيني، فيما لم يتلق 17٪ من أطفال اليمن أي جرعة من اللقاح.
من جهتها كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" عن وفاة 41 ألف طفل في اليمن خلال العام 2022م جراء إصابتهم بأمراض يمكن الوقاية منها، حيث شهدت كل 13 دقيقة وفاة طفل بتلك الأمراض، وحذرت -في تقرير لها صدر حديثا بعنوان "اللقاحات تنقذ حياة الأطفال وتحمي اقتصاد اليمن"- من أن اليمن يشهد عودة لأمراض كان يعتقد أنها صارت من الماضي، كشلل الأطفال".
وأوضح التقرير أن العام الماضي 2023م، شهد الإبلاغ عن 51 ألف حالة يشتبه إصابتها بالحصبة، بمعدل إصابة 137 طفلاً دون سن الخامسة سنويا، و8679 حالة بالسعال الديكي، توفي منهم 11 طفلاً، ووفاة 122 طفلاً بالدفتيريا من أصل 2055 حالة مشتبهاً بإصابتها، ما يعني أن 7 من كل 100 طفل مريض توفوا بسبب هذا المرض، بينما جرى الإبلاغ عن 271 حالة مصابة بشلل الأطفال حتى نهاية العام، منها 240 حالة، في المحافظات الشمالية (خاضعة للحوثيين).
وذكرت اليونيسيف أن الوضع الصحي للأطفال في اليمن يستدعي بذل جهود مكثفة للارتقاء بها إلى مستويات أفضل، منوهة بأنه حان الأوان لتغيير القصة التي وصفتها بالمأساوية، لضمان حصول كل طفل في اليمن على اللقاحات أينما وجد، وما يتطلبه ذلك من دعم نظام الرعاية الصحية، وتوفير الموارد اللازمة للوصول إلى المناطق النائية.
الكوليرا.. موجة تفشٍ جديدة
في الأثناء تشهد عموم البلاد موجة تفشٍ جديدة، للكوليرا، وفي حين تعلن الحكومة اليمنية عن الإصابات في مناطق سيطرتها، تتكتم مليشيا الحوثي عن الحديث حول الوباء الذي تقول الأمم المتحدة إنه يتفشى بسرعة في مناطق سيطرتها.
وتشير الإحصائيات الحكومية إلى تسجيل 4,276 حالة إصابة منذ مطلع العام الجاري من بينها 23 حالة وفاة مرتبطة بالمرض.
وفي مناطق سيطرة الحوثيين حيث تتعمد المليشيا التكتم على الوباء تشير التقارير الأممية إلى إصابة أكثر من 11 ألف حالة منذ مارس وحتى منتصف أبريل الماضي.
وقالت إيديم وسورنو مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في إحاطتها عن الوضع الإنساني أمام جلسة مجلس الأمن بشأن اليمن، في 15 أبريل الماضي، إن وباء الكوليرا عاود للظهور بطريقة مثيرة للقلق في اليمن، وتفشى بسرعة في مناطق سيطرة الحوثيين منذ مارس الفائت.
وأضافت مسؤولة الأوتشا إنه تم الإبلاغ عن أكثر من 11 ألف حالة إصابة و75 حالة وفاة مرتبطة بها، وأن المرض يتفشى بسرعة كبيرة منذ آذار / مارس.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أعلنت في 20 أبريل الماضي عن تفشي واسع لحالات الإسهالات المائية الحادة والكوليرا في محافظة صعدة، شمال اليمن (معقل الحوثيين الرئيسي).
وقالت اللجنة في تدوينة على حسابها في منصة "إكس"، إنها تمكنت من علاج ما مجموعه 2,300 حالة إصابة بالإسهالات المائية الحادة والكوليرا في صعدة خلال الفترة من نوفمبر 2023 وحتى الآن.
وأضافت أنها أنشأت مركزا لعلاج الإسهالات المائية الحادة في مستشفى منبه الريفي بالمحافظة في نوفمبر الماضي، استجابة للعدد المتزايد من حالات الإسهالات المائية الحادة، بما فيها الكوليرا.
وفي إب الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، أكدت مصادر طبية لـ "يمن شباب نت" عن تفشٍ واسع للوباء في عموم المحافظة.
وأكدت المصادر استقبال مستشفيات المحافظة عشرات الحالات بصورة يومية، وسط تجاهل سلطات المليشيا وعدم اتخاذ أي إجراءات وقائية.
وأشارت المصادر إلى تسجيل ثلاث حالات وفاة في مديرتي السبرة ويريم خلال الأيام الماضية، فضلا عن عدد كبير من الوفيات لا تصل إلى المستشفيات وأخرى لا تعلن عنها المليشيا ضمن سياسة التكتيم التي تنتهجها، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على باقي المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.